السفر عبر الزمن _ هل يمكننا العودة إلى الماضي؟ إنجاز محمد بقاس
ربما لن تجد إنسانا لم يسأل مرة في حياته عن الزمن وأبعاده، وإن كان بإمكانه أن يسافر إلى المستقبل المجهول، أو يعود إلى فاته دون وعي منه.
انطلاقا من هذه التساؤلات جرب العلماء طرق عديدة، وتضاربت النظريات والآراء حول إمكانية التحكم بشكل من الأشكال في واحد من أغرب مكونات الحياة ألا وهو الزمن.
قبل الشروع في صلب الموضوع سنقوم بتجربة بسيطة: في ليلة مظلمة قم بالنظر من النافذة إلى النجوم، ستعتقد أنك ترى النجوم في لحظتها الحالية، لكنك مخطئ، فما تراه هو الضوء الذي خرج من النجوم وعبر الفضاء ليصل إلى عينيك.
قديما كان يعتقد العلماء أن الضوء ينتقل في نفس اللحظة، وقد كان يا ياليليو أول من رفض تلك الفرضية، لكنه لم يتمكن من إثبات رأيه عمليا. حتى جاء أوول رومر في القرن 17م وأثبت خطأ تلك الفرضية، وهو أول من قام بتجربة عملية لقياس سرعة الضوء اعتمادا على خسوف آيو قمر المشتري، مثبتا بذلك أن الضوء لا ينتقل لحظيا بل يحتاج لبعض الوقت للوصول إلينا، لكنه لم يستطع قياس سرعة الضوء بدقة، حتى جاء ماكس ويل وقام بقياس سرعته، حيث اعتمد على كون الضوء جسيم وموجة في نفس الوقت، ووجد أت سرعته تبلغ 299792458 مترا في الثانية الواحدة (M/S) وهي أقصى سرعة ممكنة.
هذه السرعة قد تبهر وتدهش من لم يسمع بها، وذلك لأن الإنسان يعيش لا يشعر فيه بسرعة ما حوله. وقد ابتكر العلماء طريقة لقياس المسافات في الفضاء تعرف بالسنة الضوئية، وهي المسافة التي يقطعها الضوء خلال سنة كاملة. فمثلا عند النظر إلى نجم يبعد عن الأرض 300 سنة ضوئية فإننا نرى الضوء الذي خرج منها منذ 300 سنة. وبهذا فإننا نرى الماضي: ماضي هذا النجم. ونعلم أن المسافة بين الأرض والشمس 149500000 كيلومترا. يحتاج هذا الضوء لقطع هذه المسافة 8 دقائق و20 ثانية، أي أننا نرى الشمس وقد مرى عليها 8 دقائق و20 ثانية ، أي ماضي الشمس وليس حاضرها. لذلك إذا رصد علماء الفلك حدثا كونيا كانفجار نجمي أونشاط نجم جديد فإن هذا الحدث هو حدث مضى بالفعل بحسب بعد هذا الحدث عن كوكبنا.
لكن رغم أن كل هذه النظريات العلمية تثبت رؤيتنا للماضي عبر التحديق في أماكن بعيدة جدا إلا أن السؤال المطروح هو : هل يمكننا رؤية ماضينا؟ ماضي الإنسان؟
الإجابة الخيالية هي نعم، فلو كان المراقب بنظر للأرض من كوكب يبعد عنها بألف سنة ضوئية، فإنه سيرى الأرض وقد مر عليها ألف عام. ولو أن أحد قام بصنع مركبة فضائية قادرة على السفر بسرعة أكبر من سرعة الضوء ، فإنه سيسبق بهذه المركبة الضوء ويراه. وبهذا سيشاهد الماضي، مثلا السفر ل7000 سنة ورؤية قدماء مصر وهم يبنون الأهرامات، أو السفر لبداية القرن الماضي ومشاهدة الحرب العالمية الأولى (رؤية كيف تم اغتيال ولي عهد النمسا مثلا)؟
لكن المفاجأة هي أن تطبيق هذه النظرية عمليا هو أمر مستحيل، فسرعة الضوء هي أقصى سرعة يمكن الوصول إليها حسب نظرية النسبية لإنشتاين, فحسب نسبية إنشتاين يتباطأ الزمن بالنسبة للجسم المتحرك ذو الكتلة، ويزداد التباطؤ كلما زادت سرعته حتى تصل السرعة لأقصى سرعة ممكنة، فيتوقف عندها الزمن ، وبالتالي يتوقف كل شيء. أي أن كتلة الجسم المتحرك تزداد أيضا بازدياد السرعة حتى تصل إلى كتلة لا تكفي أي طاقة لزبادة سرعة الجسم بعدها. ويصل الجسم لتلك الكتلة عندما يصل إلى نفس سرعة الضوء ايضا. وجسيمات الضوء (الفوتونات) هي فقط التي تستطيع التحرك بتلك السرعة، حيث أنها جسيمات عديمة الكتلة. أو حتى صنع مركبة بتلك المميزات وتوفير الطاقة الكافية لها هو مجرد خيال، فأقصى ما استطاع العلماء فعله في هذا المجال هو إيصال الجزيئات الأساسية المكونة للمادة لسرعات تقارب سرعة الضوء، وذلك في أجهزت عملاقة تسمى مسرعات الجسيمات. لكن في عام 2011م وصل علماء مركز الجسيمات بالمنظمة الأوربية للأبحاث النووية من خلال بحث علمي جديد إلى أن نظرية إينشتاين خاطئة. الباحثون قالو بأن هناك جزيئات أصغر من الذرة التي تسمى بوترينوس تتحرك 60 نانو في الثانية، أي أسرع من الضوء. لكن مع إعلان الطاقم العلمي لهذا الخبر أبدوا تخوفهم من نتائجه، ورجحوا فرضية الخطـأ . إذن فالعلم الحديث يجزم باستحالة هذه التطبيق.
التلميذ محمد بقاس، شعبة علوم فيزيائية، ثانوية واد العبيد التأهيلية
برافو محمد بقاس. وشكرا لاطار التربوي ديالك. وشكرا لمن نشر هذا المنشور.
ردحذف